Worx - Worx | Logo
BETA
Worx - لماذا يغيّر الكثيرون تخصصهم بعد السنة الأولى؟ الأسباب الخفية والحلول الواقعية

لماذا يغيّر الكثيرون تخصصهم بعد السنة الأولى؟ الأسباب الخفية والحلول الواقعية

في خضم الحماس الذي يرافق بداية الدراسة الجامعية، يتجه آلاف الطلاب كل عام نحو تخصصات يعتقدون أنها ستكون بوابتهم إلى النجاح والمستقبل المشرق. غير أن الإحصائيات والتجارب الواقعية تُظهر أن نسبةً كبيرة من هؤلاء يقررون، بعد عامهم الأول فقط، تغيير تخصصاتهم. البعض يغيره جذريًا، والآخر يتحوّل إلى مجال قريب، وهناك من يترك الجامعة تمامًا.

لكن لماذا يحدث هذا؟ وهل هو فشل؟ أم تجربة نضج واكتشاف؟ وهل يمكننا تفادي هذا التغيير المؤلم والمربك أحيانًا؟ سنحاول في هذا المقال أن نغوص في عمق هذه الظاهرة، من مختلف الزوايا: الاجتماعية، النفسية، الأكاديمية، والاقتصادية، لنفهمها بوضوح ونقدّم حلولًا عملية تساعد على التوجيه السليم منذ البداية.

أولًا: الجانب الاجتماعي – حين تختار لإرضاء غيرك

كثيرًا ما تُبنى قرارات الطلاب على خلفية اجتماعية بحتة. الأسرة، الأصدقاء، أو حتى المجتمع ككل قد يفرضون على الطالب نوعًا من التوقعات أو الصور النمطية حول ما يجب أن يدرسه.

الطالب الذي يدخل كلية الطب لأنه "الطبيب له هيبة"، أو الذي يدرس الهندسة لأن والده مهندس ناجح، يكتشف بعد أشهر أن لا علاقة له بهذا العالم، لا فكريًا ولا وجدانيًا. هنا، تبدأ أولى الصدمات: أنا لا أنتمي لهذا التخصص، لكن الجميع ينتظر مني أن أستمر فيه.

الضغط الاجتماعي يخلق ازدواجية بين ما يريده الإنسان فعليًا، وبين ما يتوقعه الآخرون منه. وبين هذه الثنائية، قد يضيع وقت الطالب، وقدرته على الاستمتاع بالتعلّم، وحتى احترامه لذاته.

ثانيًا: الجانب النفسي – اكتشاف متأخر للذات

في المرحلة الثانوية، لا يتاح للطالب غالبًا الوقت الكافي لاكتشاف ذاته، ميوله، شغفه، أو نمط شخصيته. فجأة، وبعد النجاح في البكالوريا، يُطلب منه اتخاذ قرار قد يحدد ملامح مساره لعقود!

هذا الضغط يولد قلقًا كبيرًا، وقد يؤدي إلى اختيارات غير مدروسة. ومع دخول الجامعة والاحتكاك الفعلي بالتخصص، يبدأ الطالب في فهم نفسه بشكل أفضل، فيدرك أن ما اختاره لا يشبهه. قد يشعر بالضياع، أو حتى بالفشل، رغم أنه فقط في مرحلة اكتشاف.

كما أن بعض الطلاب يواجهون صدمات نفسية داخل الكلية: بيئة غير مشجعة، منافسة شرسة، أو غربة اجتماعية تؤثر على استقراره النفسي، فيربط ذلك بالتخصص ويقرر تغييره.

ثالثًا: الجانب الأكاديمي – الواقع لا يشبه التوقعات

في كثير من الأحيان، يكون السبب بسيطًا لكنه مهم: الطالب كان يملك تصورًا خاطئًا تمامًا عن التخصص. من قال إن دراسة الإعلام تعني التحدث أمام الكاميرا فقط؟ أو أن الحقوق تعني المحاماة مباشرة؟

المقررات الدراسية، أسلوب التدريس، كثافة الواجبات، وحتى اللغة المستخدمة قد تكون مفاجئة، بل صادمة. وهنا تبدأ العلاقة بين الطالب والتخصص في التآكل.

أيضًا، قد يكتشف الطالب ضعفًا في قدراته مقارنة بمتطلبات التخصص. مثلًا، طالب أدبي يدخل تخصصًا يعتمد على الرياضيات، فيجد نفسه يتعثر من البداية. وهنا، تتحول كل حصة دراسية إلى معركة يومية، تقوده إما للانسحاب أو للتغيير.

رابعًا: الجانب المهني والاقتصادي – الحلم يصطدم بالواقع

يبدأ بعض الطلاب دراسة تخصصاتهم بشغف، لكنهم يكتشفون لاحقًا أن آفاق العمل في هذا المجال محدودة، أو أن الأجور منخفضة، أو أن المنافسة عالية. وهنا، تنشأ حالة من القلق الاقتصادي: هل أضيع سنوات من حياتي في دراسة شيء لن يؤمن لي مستقبلًا مستقرًا؟

في بيئات لا تكون فيها فرص العمل واضحة أو عادلة، يميل الكثيرون إلى التغيير، ليس لأنهم لا يحبون تخصصهم، بل لأنهم يريدون البقاء على قيد الحياة في سوق عمل شرس.

خامسًا: قصور في التوجيه والإرشاد

العديد من أنظمة التعليم تعاني من ضعف أو غياب التوجيه المدرسي الفعّال. الطالب لا يُعرّف بشكل حقيقي على التخصصات، ولا على طبيعة سوق العمل، ولا على نفسه أصلاً.

غياب لقاءات مع مهنيين، عدم وجود اختبارات جادة للميول والقدرات، وعدم وجود حوارات مفتوحة داخل المدارس، كلها تجعل الطالب يتخذ قراراته بناءً على الانطباعات أو التقاليد، لا على وعي وفهم.

هل تغيير التخصص فشل؟

كثير من الطلاب، بمجرد اتخاذهم قرار التغيير، يشعرون بالعار أو الخوف من نظرة الآخرين. لكن في الحقيقة، تغيير التخصص قد يكون علامة على النضج. أن تدرك أن الطريق الذي اخترته لا يناسبك، وتملك الشجاعة لتصحيحه، هو أمر يستحق الاحترام، لا الشفقة.

هناك من يكمل سنوات في تخصص لا يريده، فقط لأن التغيير "عيب" أو "ضعف"، ثم يتخرج حاملاً شهادة لا تعبّر عنه، ويقضي عمره في وظيفة لا يحبها. أليس من الأفضل التعديل مبكرًا؟

كيف يمكن تفادي تغيير التخصص؟

الوقاية دائمًا خير من العلاج، وتفادي تغيير التخصص ليس مستحيلاً. لكنه يحتاج إلى وعي مسبق، وتوجيه مدروس. إليك بعض الخطوات التي يمكن أن تساعد:

1. التعرّف على الذات مبكرًا

قبل التفكير في أي تخصص، على الطالب أن يسأل نفسه: ما الذي يحفّزني؟ ما نوع المهارات التي أتمتع بها؟ هل أنا بصري أم سمعي؟ هل أحب التفكير النظري أم التطبيق العملي؟

اختبارات الشخصية والميول المهنية، بالإضافة إلى النقاشات المفتوحة مع معلمين أو مستشارين، يمكن أن تكون بوابة مهمة لهذا الاكتشاف.

2. البحث العميق قبل الاختيار

لا يكفي أن تقرأ اسم التخصص أو سمعته. ابحث عن تفاصيل المواد، طبيعة الدراسة، لغة التدريس، أسلوب الامتحانات، وحتى فرص العمل بعد التخرج.

تواصل مع طلاب حاليين وخريجين، تابع فيديوهات وتجارب على الإنترنت، اقرأ المقررات الدراسية. كل هذه الخطوات ستمنحك صورة واقعية عن التخصص.

3. إشراك الأسرة في القرار، دون أن تتحكّم

من المهم أن يكون للأسرة دور في التوجيه، لكن لا يجب أن تفرض التخصص. الحوار هو الأساس. إذا شعر الطالب أن قراره مدعوم لا مفروض، سيكون أكثر ثقة واستقرارًا.

4. التجربة العملية إن أمكن

في بعض البيئات، يمكن للطالب أن يحضر محاضرات تجريبية، أو يشترك في برامج صيفية، أو حتى يتدرب في مكان يرتبط بالتخصص الذي يريده. هذه التجارب المباشرة توضح له ما إذا كان التخصص مناسبًا فعلًا.

5. القبول بمرونة الحياة

حتى مع كل هذه الخطوات، لا يمكن ضمان أن القرار سيكون مثاليًا. المهم أن نفهم أن الحياة مليئة بالمحطات، وأن التغيير ليس عيبًا، بل أحيانًا ضرورة. ما دمت تتعلم وتنمو، فأنت على الطريق الصحيح.

خاتمة: رحلة البحث عن الذات لا تنتهي

إن تغيير التخصص بعد السنة الأولى ليس ظاهرة سلبية بالضرورة، بل قد يكون دليلًا على وعي متزايد ورغبة حقيقية في تحقيق الذات. لكنه أيضًا إشارة إلى وجود خلل في منظومة التوجيه والدعم، وهو ما يجب على المدارس والجامعات والمجتمعات معالجته بجدية.

الطالب لا يحتاج فقط إلى نجاح أكاديمي، بل إلى إحساس بالانتماء، وإلى من يأخذ بيده في لحظات الحيرة. حين نتيح له الفرصة ليعرف نفسه، ليفكر بصوت عالٍ، ليتعرّف على العالم كما هو، لا كما نريد له أن يكون، سنقلّل كثيرًا من الأخطاء، ومن التخصصات التي تُدرس دون شغف.

فلتكن الجامعة مكانًا لا يكتفي بتلقين المعرفة، بل يساعد الطالب على فهم نفسه، ومكانه في هذا العالم. ووقتها، سنرى تراجعًا حقيقيًا في نسب تغيير التخصص، وارتفاعًا في نسب الرضا والنجاح الحقيقي.


محادثة

0 تعليقات

مرحبًا بك في منطقة التعليقات! كن مهذبًا وابقَ في صلب الموضوع. قم بزيارة الشروط والأحكام الخاصة بنا واستمتع معنا!

Worx - Worx
لم تتم إضافة أي تعليقات بعد، كن الأول وابدأ المحادثة!

لم تتم إضافة أي تعليقات بعد، كن الأول وابدأ المحادثة!

المهارات في هذه المقالة
Worx © مجتمع ووركس - جميع الحقوق محفوظة
Worx