أنواع الأحذية التقليدية في الوطن العربي: بين الوظيفة والهوية الثقافية 

الأحذية التقليدية في الوطن العربي ليست مجرد أدوات لحماية القدم، بل هي عناصر ثقافية غنية تعكس هوية الشعوب وتنوع التراث. في كل بلد عربي نجد نوعًا من الأحذية يعبّر عن تاريخٍ اجتماعيٍ، وبيئةٍ جغرافيةٍ، وحرفٍ متوارثة. في هذا المقال، نستعرض أشهر أنواع الأحذية التقليدية التي تميز كل دولة عربية، بأسلوب سردي ممتع يأخذ القارئ في جولة بين الأسواق العتيقة، والحرفيين المهرة، والتقاليد المتجذّرة.

1. المغرب: البلغة والشربيل

حين تطأ قدماك أزقة فاس العتيقة، تتعالى رائحة الجلود المدبوغة، وتلمح أنظارك صفوف البلاغي الملوّنة وهي معلقة على واجهات الدكاكين الصغيرة. "البلغة"، هذا الحذاء المغربي الأصيل، مفتوح من الخلف، مصنوع من جلد ناعم، يعبق برائحة الحرفية اليدوية. يُرتدى مع الجلباب أو القندورة في المناسبات والأعياد. أما "الشربيل"، فهو نسخة أكثر أنوثة، مطرزة بخيوط الذهب أو الحرير، وتظهر فيه لمسة فنية بارعة تجعل كل زوج منها قطعة فنية فريدة. وتشتهر مدن مثل فاس، مراكش، وتطوان بصناعة هذه الأحذية التي لا تزال تُصنع باليد، على نفس النسق الذي تعلّمه الحرفيون منذ مئات السنين.

2. الجزائر: البلغة القبائلية والصباط الشاوي

في المرتفعات الشامخة لمنطقة القبائل، تتجذر التقاليد في كل تفاصيل الحياة، ومن بينها الأحذية. البلغة الجزائرية هنا تأخذ طابعًا خاصًا، فهي مصنوعة من الجلد السميك لتناسب طبيعة الجبال القاسية، وغالبًا ما تُزيَّن بنقوش أمازيغية تعبر عن الهوية والثقافة المحلية. أما في جبال الأوراس، فإن "الصباط الشاوي" يُحاك بعناية ليخدم في ظروف مناخية متقلبة، يجمع بين الصلابة والمرونة، ويُعتبر رمزًا لفخر سكان هذه المنطقة.

3. تونس: الشوشان والبلغة التونسية

عند التجول في أسواق سيدي بوسعيد أو القيروان، لا يمكن إلا أن يستوقفك بريق الأحذية التونسية التقليدية. "الشوشان"، الذي يُطرّز بخيوط الذهب، ليس مجرد حذاء بل قطعة فنية تُرتدى في المناسبات الفاخرة. أما "البلغة التونسية"، فتأخذ طابعًا أكثر بساطة، لكنها لا تقل أناقة. تُصنع يدويًا من جلد رقيق، وتُلبس في حفلات الزواج والاحتفالات التقليدية، وما زالت تُنتج في الورشات العائلية القديمة التي تحافظ على الطابع التراثي لهذه الصناعة.

4. ليبيا: البلغة الليبية

في أزقة طرابلس القديمة، وعلى وقع أصوات المطارق الصغيرة التي تدق الجلود، تُصنع البلغة الليبية. تختلف في سماكتها وألوانها عن مثيلاتها في المغرب، لكنها تشترك معها في البساطة والوظيفة. يُفضّل الرجال الليبيون ارتداءها مع "الجبة" التقليدية في الأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية. تمتاز هذه الأحذية بمتانتها وأناقتها في آنٍ واحد، وغالبًا ما تُصبغ بالأحمر الداكن أو الأسود اللامع.

5. مصر: النعل البلدي والقبقاب

في القاهرة القديمة، حيث تتعالى أصوات الباعة بين الجمالية والحسين، لا تزال "النعال البلدية" تُباع على ناصية الأزقة. كان الفلاحون والعمال يرتدونها لقدرتها على التحمّل في ظروف العمل الشاق. أما "القبقاب"، فقد كان رمزًا للحمّامات الشعبية، خاصة بين النساء، ويُصنع من الخشب ويرتفع قليلاً عن الأرض لحماية القدم من البلل. تطور لاحقًا ليُزين بالنقوش والخيوط ويُرتدى في البيوت المصرية كرمز للأناقة التقليدية.

6. السودان: المركوب

عند دخولك إلى أحد محلات الخرطوم القديمة، يلفت نظرك "المركوب السوداني"، الحذاء الذي يُجسّد الأصالة والهيبة. يُصنع من جلود فاخرة مثل التمساح أو الثعبان، وتُحاك يدويًا بخيوط دقيقة. لا يرتديه إلا الوجهاء أو كبار السن، ويُعتبر رمزًا للرجولة والوقار. صناعته الدقيقة تجعله تحفة فنية تُقدّر لسنوات طويلة.

7. السعودية: النعال النجدي والمشقّر

في قلب نجد، حيث تتداخل الرمال الذهبية مع تاريخ القبائل، تجد "النعال النجدي"، بتصميمه المدبب ونعومته اللافتة. يُصنع غالبًا من الجلد الطبيعي، ويتميز ببساطته وملاءمته للمناخ الصحراوي. أما في الحجاز، فتجد "المشقّر"، حذاء مزخرف يُرتدى في المناسبات، ويُصنع يدويًا بخيوط دقيقة ونقوش مستوحاة من العمارة الإسلامية.

8. الإمارات وقطر: النعل الإماراتي

في الأسواق القديمة لدبي أو الدوحة، تتألق واجهات المتاجر بعرض "النعال الإماراتي"، والذي يجمع بين الفخامة والراحة. مصنوع من جلود فاخرة، ويُزين أحيانًا بنقوش عربية أنيقة، ويتناغم مع الثوب الخليجي الأبيض. يُعد جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، ويُرتدى في المناسبات والاحتفالات.

9. البحرين والكويت: النعل الخليجي

في الأسواق الشعبية مثل سوق المنامة أو سوق المباركية بالكويت، تجد "النعل الخليجي" وقد رُصّت أزواجه بأناقة. يتميز بتصميمه البسيط وأناقته الهادئة. مصنوع غالبًا من الجلد الطري، وهو الحذاء اليومي المفضل للرجال الخليجيين، لما يوفره من راحة وأناقة في آنٍ معًا.

10. العراق: الكلاش الكردي والصندل النجفي

في شمال العراق، تحديدًا في أربيل والسليمانية، يُصنع "الكلاش الكردي"، وهو حذاء خفيف يُخاط يدويًا من القماش والجلد، مثالي للمشي في المناطق الجبلية. أما في الجنوب، وتحديدًا في النجف، نجد "الصندل النجفي"، الذي يُصنع من الجلد والخشب، ويُستخدم في الحياة اليومية، وهو مثال على البساطة والوظيفة.

11. سوريا: الشحاطة والبابوج الدمشقي

في دمشق، مدينة الياسمين، لا تكتمل جمالية اللباس التقليدي إلا بـ"البابوج الدمشقي"، المصنوع من الجلد الطبيعي والمطرز بخيوط ذهبية أو فضية. أما "الشحاطة"، فهي حذاء منزلي بسيط، لكنها جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية، وتُصنع عادة في حلب وحمص.

12. لبنان: القبقاب والبابوج اللبناني

في قلب بيروت القديمة، وعلى وقع طرقات الحرفيين، تجد القبقاب الخشبي مزخرفًا ومصنوعًا بدقة. استُخدم قديمًا في الحمّامات العامة، خاصة من قبل النساء، للحفاظ على النظافة. أما البابوج اللبناني، فهو مشابه للدمشقي، ويُطرّز يدويًا ليُناسب المناسبات الرسمية.

13. الأردن وفلسطين: الصندل الفلسطيني والنعل البدوي

في الأسواق الشعبية مثل سوق القدس أو عمّان القديمة، ترى الصندل الفلسطيني المصنوع من الجلد، والمزيَّن أحيانًا بالتطريز اليدوي. أما في البوادي، فالنعل البدوي يفرض نفسه كخيار عملي، مصنوع ليتحمّل مشقة التنقل في الصحراء.

14. اليمن: المقفّي والحذاء الصنعاني

في صنعاء القديمة، حيث الزخارف تملأ الجدران والأسواق، يُصنع "المقفّي" من جلد قوي يُحاك يدويًا ليتناسب مع الطبيعة الجبلية. أما "الحذاء الصنعاني"، فيُرتدى مع الزي اليمني التقليدي، ويتميز بألوانه الداكنة ونقوشه الدقيقة.

15. عُمان: النعال العماني

في نزوى أو صور، تتجول بين دكاكين النعال العماني، بألوانه المتنوعة وتصميمه المستقيم الذي ينسجم مع "الدشداشة" العمانية البيضاء. يُصنع من الجلد الرقيق، ويتميز براحة كبيرة وأناقة بسيطة تجعله حذاءً يوميًا ومناسبًا للمناسبات الرسمية على حد سواء.

خاتمة

تعكس الأحذية التقليدية في الوطن العربي تراثًا غنيًا، يتجاوز الوظيفة إلى التعبير عن الهوية والتاريخ والمكان. ورغم الحداثة، لا تزال هذه الأحذية تحتفظ برونقها وتجد طريقها في المناسبات والاحتفالات، بل وتُدمَج اليوم في تصاميم عصرية تحافظ على الأصالة وتواكب التطور.