Worx - Worx | Logo
BETA
Worx - معضلة جيل زد: المال في الجيب… والقلق في القلب

في زمنٍ صار فيه الوصول إلى المال أسهل من أي وقت مضى، نجد جيلًا بأكمله يقف أمام مفارقة مؤلمة: جيل زد (Generation Z)، الجيل الذي وُلد بين أواخر التسعينيات ومنتصف الألفينات، يمتلك أدوات النجاح، ويصنع الثروات الرقمية في سن مبكرة، ومع ذلك… يبحث عن راحة البال فلا يجدها.

منصات، وظائف عن بُعد، ريادة أعمال، عملات رقمية، فرص لم يكن يحلم بها الجيل الذي سبقه. ومع ذلك، تزداد مؤشرات القلق، الاكتئاب، اضطرابات النوم، وفقدان المعنى. فما الذي يحدث هنا؟ هل كسب المال لم يعد كافيًا؟ أم أن شيئًا أعمق يُنهك هذا الجيل؟

وجهٌ اجتماعي: النجاح الذي أرهقنا

ينشأ جيل زد في عالم يُقيس القيمة بما تُنجزه، لا بما تكونه. منصات التواصل تعرض نماذج مثالية للنجاح: شاب في العشرين من عمره يشتري أول سيارة فارهة، فتاة تحقق مليون متابع من محتوى يومي، أصدقاء ينشرون حياتهم كأنها لوحة كاملة بلا شُقوق. في هذا العالم، تُصبح المقارنة يومية، والضغط مستمرًا.

جيل زد لا يريد فقط أن "يعيش"، بل أن ينجح بسرعة، ويُظهر نجاحه فورًا، وبشكل دائم. وهنا تحدث المعضلة: كلما زاد الضغط على تحقيق الصورة، قلّت مساحة الشعور بالحقيقة. يصبح المال وسيلة للقبول الاجتماعي، لا للاكتفاء الشخصي. ويتحوّل النجاح من مصدر فخر إلى عبء ثقيل.

جانب نفسي: طموح بلا استقرار

تُشير الأبحاث النفسية الحديثة إلى أن جيل زد يعاني من معدلات قلق واكتئاب أعلى من أي جيل سبقه. وليس السبب فقط في المال أو التكنولوجيا، بل في انعدام الشعور بالأمان الداخلي. في ظل التحولات السريعة، وتقلّب الفرص، والخوف من أن "يفوتك القطار"، لا يجد الشاب أو الشابة فرصة حقيقية للهدوء، ولا لحظة صادقة للاستمتاع.

يرتبط ذلك بما يسمّى "قلق الوجود"، وهو ذلك الإحساس الغامض بأنك تعمل وتكافح وتنتج… لكنك لست متأكدًا لماذا تفعل كل ذلك. هل هو الشغف؟ أم الخوف من التخلف عن الركب؟ هل هو حب الإنجاز؟ أم مجرد محاولة للحاق بصورة غير حقيقية رسمها العالم الافتراضي؟

النتيجة: جيل يملك المال، ويعرف كيف يصنعه، لكن يفقد طعم الطمأنينة، ولا يعرف من أين يستمد المعنى.

بُعد علمي وفسيولوجي: التكنولوجيا التي أعادت برمجة الدماغ

علميًا، أظهرت الدراسات أن الاستهلاك المفرط للشاشات والتكنولوجيا الرقمية يُعيد تشكيل دوائر المكافأة في الدماغ. الإشعارات، الإعجابات، التفاعلات الفورية، كلها تُحفّز إفراز "الدوبامين" – هرمون السعادة اللحظية. لكن الدماغ حين يعتاد على هذا المستوى من التحفيز السريع، يفقد قدرته على الاستمتاع باللحظات البسيطة والبطيئة.

وهنا تكمن المعضلة العصبية: الراحة الذهنية تحتاج بطئًا وتأمّلاً… وجيل زد دُرّب على السرعة والتشتت. المال يتحقّق بسرعة، لكن راحة البال لا يمكن تسريعها. هي ثمرة الصبر، والعلاقات العميقة، واللحظات الصامتة. وكل هذا صار نادرًا.

هل من حل؟

المسألة ليست في المال، بل في علاقتنا معه، ومع أنفسنا. جيل زد لا يحتاج إلى إبطاء النجاح، بل إلى إعادة تعريفه. أن نُربّي داخلنا يقينًا بأن القيمة لا تأتي فقط من الإنجاز، بل من السلام النفسي، من جودة علاقاتنا، من لحظات الرضا الصغيرة.

ربما الحل لا يبدأ من الخارج، بل من كسر تلك الحلقة بين التقدير الذاتي والنجاح المادي. أن ندرك أننا لسنا فقط صورًا على "إنستغرام"، ولا أرقامًا على شاشة. نحن بشر، نحتاج إلى الأمان، إلى المعنى، إلى وقت نفرح فيه لا بما نملك… بل بمن نكون.

في النهاية:

جيل زد لا يفتقر إلى الموارد، بل إلى السكينة في عصر الضجيج. وهذه السكينة لا تُشترى، بل تُصنع من الداخل، في اللحظة التي نسمح فيها لأنفسنا أن نتوقّف، أن نُصغي، أن نعيش… لا لنُثبت شيئًا لأحد، بل لنكون أصدق مع أنفسنا.

فما قيمة المال، إذا كان القلب مثقلاً بالتشتّت؟  


محادثة

0 تعليقات

مرحبًا بك في منطقة التعليقات! كن مهذبًا وابقَ في صلب الموضوع. قم بزيارة الشروط والأحكام الخاصة بنا واستمتع معنا!

Worx - Worx
لم تتم إضافة أي تعليقات بعد، كن الأول وابدأ المحادثة!

لم تتم إضافة أي تعليقات بعد، كن الأول وابدأ المحادثة!

المهارات في هذه المقالة
Worx © مجتمع ووركس - جميع الحقوق محفوظة
Worx