Worx - Worx | Logo
BETA
Worx - هل تثق بالمعلومة… أم بمن ينقلها؟

في كثير من المواقف اليومية، نميل إلى تصديق الفكرة إذا جاءت من شخص نثق به، ونُشكّك فيها إن وردت على لسان من لا نرتاح له، حتى وإن كانت الفكرة ذاتها. هذه الظاهرة ليست مجرد انحياز عفوي، بل هي جزء من آلية عقلية معقّدة تدمج بين المعلومة والمصدر في تقييم واحد.

عندما نسمع معلومة طبية مثلًا، فإننا لا نُدقق في تفاصيلها العلمية بقدر ما نلتفت إلى من قالها: هل هو طبيب؟ هل يظهر بمظهر الواثق؟ هل صوته حازم؟ وحين نسمع نفس المعلومة من شخص عادي، قد نرفضها دون تفكير. ليس لأننا نملك أدلة مناقضة، بل لأننا نربط الثقة بالمصدر أكثر من المضمون.

هذه الظاهرة تُعرف في علم النفس بـ"تأثير الهالة" (Halo Effect)، وهي تعني أن الإنسان يميل إلى تعميم انطباع إيجابي أو سلبي واحد على باقي الصفات. فإن كان المتحدث معروفًا، ناجحًا، وذو مكانة، نميل إلى افتراض أنه بالضرورة على صواب، حتى لو لم نقدّر المعلومة بحد ذاتها.

ولعلّ الأكثر خطورة هو أن هذه الآلية لا تعمل فقط في المسائل العلمية أو المعرفية، بل تمتد إلى القيم والمواقف وحتى طريقة التفكير. قد نتبنّى رأيًا سياسيًا، أو نُعارض فكرة مجتمعية، فقط لأن من طرحها لا "يشبهنا" في الثقافة أو الخلفية. وكأن الأفكار تصبح مشروطة ببطاقة الهوية.

لكن في هذا النمط من التفكير، نفقد شيئًا ثمينًا جدًا: القدرة على التقييم الموضوعي. حين نعتمد على المتحدث لا الفكرة، فإننا نُسلم زمام عقولنا إلى من يبدو أكثر سلطة، بدل أن نحتكم إلى المنطق والبرهان. وهذا يُفسّر كيف يمكن لبعض المؤثرين أن يغيّروا قناعات الناس دون أن يقدّموا حججًا حقيقية، فقط لأنهم يتمتعون بالكاريزما أو الشهرة.

ومن جهة أخرى، فإننا نظلم الكثير من الأصوات العاقلة التي لا تملك الأضواء أو الألقاب، لكنها تحمل أفكارًا ثرية وعميقة. فقط لأننا لم نسمعها من "فوق"، نعتقد أنها لا تستحق الإنصات.

إذن، ما العمل؟

الوعي هو البداية. أن نُدرك أننا – كبشر – لسنا محايدين تمامًا في استقبال المعلومة. أن نعرف أن عقولنا تُلوَّن بالمشاعر والانطباعات. وهذا لا يعني أن نتجاهل المصدر تمامًا، فالمصداقية جزء مهم من أي محتوى. لكن الأهم هو أن نسأل: هل ما قاله منطقي؟ هل يستند إلى دليل؟ هل أوافق على الفكرة، بغضّ النظر عمن قالها؟

أن نثق بالفكرة لأنها قوية، لا لأن من قالها يبدو قويًا… هذه مهارة فكرية، بل نوع من النزاهة العقلية التي نحتاجها بشدة في زمن تضخم فيه الصوت أكثر من المعنى.

في النهاية، الحكمة لا ترفع صوتها، لكنها موجودة لمن يُنصت لها بعين العقل لا بمرآة الانطباع.

ففي المرة القادمة التي تسمع فيها معلومة، جرّب أن تفصل بين الفكرة ومن قالها… ستُفاجأ كم من الأفكار رفضناها ظلمًا، وكم من الأخطاء قبلناها بلا تمحيص، فقط لأننا حكمنا على الرسالة من هيئة الرسول.


محادثة

0 تعليقات

مرحبًا بك في منطقة التعليقات! كن مهذبًا وابقَ في صلب الموضوع. قم بزيارة الشروط والأحكام الخاصة بنا واستمتع معنا!

Worx - Worx
لم تتم إضافة أي تعليقات بعد، كن الأول وابدأ المحادثة!

لم تتم إضافة أي تعليقات بعد، كن الأول وابدأ المحادثة!

المهارات في هذه المقالة
Worx © مجتمع ووركس - جميع الحقوق محفوظة
Worx